اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
121865 مشاهدة print word pdf
line-top
البشارة الأولى تنزل الملائكة عليهم

...............................................................................


وقد مدح الله الذين يقولون هذه المقالة، وجعل لهم ثوابا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ما ذكر الله من أعمالهم إلا أنهم: قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ قالوه بألسنتهم، واعتقدوه بقلوبهم، وأنهم حققوا هذه المقالة التي هي اعتقادهم ربوبية الله تعالى، والرب هو المعبود، كما قال تعالى: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ثم استقاموا على أمر الله تعالى، فذكر أن ثوابهم الجنة: أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وكذلك في سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ما ذكر من أعمالهم إلا أنهم: قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ وهذا هو العقيدة ثُمَّ اسْتَقَامُوا وهذا هو العمل، فعقيدتهم إقرارهم بأن الله تعالى هو ربهم, العمل استقامتهم على أمره؛ يعني التزامهم بالطاعة وتركهم للمعصية.
ذكر الله ثوابهم في هذه الآية، فذكر عشرة أنواع من الثواب؛ منها ما هو في الدنيا، ومنها ما هو في الآخرة، فيقول الله تعالى: الأول: نزول الملائكة: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ قيل: إن هذا عند قبض أرواحهم، والمراد هاهنا ملائكة الرحمة الذين إذا نزلوا ثبتوا الإنسان وبشروه، إذا كان من أهل الجنة كما في قول الله تعالى في إخباره عن وفاة المؤمن: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ فهذا بشارة أنه تتنزل عليهم الملائكة.

line-bottom